رأي.. بشار جرار يكتب حول ميزان القيم والمصالح: ليس دفاعا عن ترامب

رأي.. بشار جرار يكتب حول ميزان القيم والمصالح: ليس دفاعا عن ترامب

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لقد كان بيان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي جاء بعنوان “أمريكا أولا”، عن عملية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، والعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، بحق بيانا رئاسيا من حيث كونه قرارا يجسد مسؤولية الرئيس، أولا وآخرا، عن تحقيق كل ما من شأنه ضمان مصالح الأمريكيين وأمنهم.

توقيت البيان والظهوران الإعلاميان اللذان تحدث بهما ترامب شارحا البيان، جاء في غمرة احتفالات الأمريكيين بأكثر مناسبتين ذات دلالة من ناحية القيم والمصالح التي تجمع الأمة الأمريكية وهما عيد الشكر والجمعة السوداء!

كان ترامب في هذين الظهورين أكثر مباشرة في مواجهة ما تعرف بالحقائق الجارحة، تلك الحقائق التي يتعامل معها الإنسان العادي عادة إما بالإنكار إسكاتا لصوت الضمير أو التبرير التي يذكرنا بفيلم النجم المصري الراحل أحمد زكي “أنا لا أكذب ولكني أتجمّل”، رائعة الروائي المصري الكبير إحسان عبد القدوس.

بداية، أعلن ترامب في بيانه “أمريكا أولا” أن “من المحتمل جدا أن يكون ولي العهد السعودي على علم بهذا الحدث المأساوي، ربما كان وربما لم يكن!”. وصرح بعدها بأن CIA لم تتوصل إلى تقييم “حاسم ونهائي” بشأن مقتل خاشقجي. وأضاف ترامب: “ربما فعل وربما لم يفعل”، في إشارة إلى الأمير محمد بن سلمان. وجاء ذلك بعدما أفادت تقارير إعلامية، نقلا عن مصادر، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية توصلت إلى أن عملية خاشقجي “لم تكن لتحدث دون علم” ولي العهد السعودي.  

لغة قد يراها البعض فضفاضة تتيح المجال أمام ترامب للتحرك بأقل القيود الممكنة لكنها في نظري تدل على مهنية الوكالة كأي مؤسسة أمنية، علمية أو صحافية تعتمد أسلوب التحرير الموضوعي في كتابة التقارير المستند إلى الحقائق لا الآراء أو الانطباعات أو الأهواء. هناك فرق شاسع بين الحق والحقيقة والحقائق، واللغة “التقريرية” لا تعتمد سوى الحقائق المجردة الصماء أما الحقيقة فتلك مسؤولية تأخذ بكليتها وشموليتها فيما أن الحق مسألة ضميرية وجدانية عقلية ما زالت البشرية تدهشنها في تعاملها الأعمى والدامي معه عبر التاريخ حتى في ظل القادة القضاة والقادة الأنبياء إبان العهد القديم من الكتاب المقدس.

بمنأى عن “التسريب المبرمج” التركي، والحملة الشعواء التي لكل فيها أجندته الخاصة أمريكيا وعربيا وعالميا، نجح ترامب نجح في لقائه التلفزيوني المطول المكرس لعطلة عيد الشكر، في إيصال هذه الرسالة الإعلامية التي سقطت سهوا أو عمدا من معظم التغطيات الصحافية للحدث. فالأمر وفقا له لا يعدو عن كونه “استخلاصا تخمينيا” يستند إلى “إحساس” الوكالة وليس إلى “حقائق دامغة” تتبناها.

تأسيسا على حجر الزاوية هذا، أقام أركان فريق ترامب الأمني السياسي والإعلامي في البيت الأبيض على الأرجح كل ما أدلى به من تصريحات مكتوبة وشفهية. هو يقول كيف لي كرئيس أن أضرب كل شيء بعرض الحائط أمام مجرد “تخمين”. القاعدة القانونية تقول: المتهم بريء حتى تثبت إدانته! حتى التسريبات التركية “الصوتية” التي مازالت تعمل بالقطّارة على نحو تصعيدي بات في أعين كثيرين مجرد “ابتزاز وتصفية حسابات”، فإن بيان ترامب وتصريحاته قد أدت من الناحية العملية إلى حرقها.

فإذا لم تظهر “الأدلة” التركية تورط ولي العهد السعودي شخصيا بأمر القتل، ستبقى الأمور في دائرة الصف الثاني والمعاونين “المارقين”. حتى لو فرضنا جدلا أن التسجيل بالصورة وليس بالصوت فقط وجاء فيه افتراضا بأن “خلصونا منه أو سكتوه”، فإن محلل الاستخبارات أو الصحافي بإمكانه اعتبار ذلك قرينة على التورط أما في نظر السياسي وحتى القاضي فتلك مسألة تبقى “فيها نظر”! القرينة ليست كالدليل وليست الأدلة كلها قطعية الثبوت!

لا أحد يحب هذا الواقع “المشين” لكنها حقيقة العالم الذي نعيش فيه. عالم وصفه وزير الخارجية مايك بابميو (الرئيس السابق لـCIA) بالعالم “الخطر الخسيس” في ذلك الجزء من العالم تحديدا حيث إيران التي ما زالت تردد هتاف “الموت لأمريكا” بعد اتفاق طهران النووي ونقلت شعارها إلى لبنان عبر حزب الله واليمن عبر الحوثي والعراق عبر تيارات عراقية شيعية وازنة في عالم المليشيات أمطرت القنصلية الأمريكية في البصرة بالقذائف الصاروخية.

ردا على سؤال “على من نضع اللوم إذن” إن لم نحمل “إم بي إس” المسؤولية، أجاب ترامب وبلا تردد: المسؤولية تقع على العالم.. نحن في عالم خطر.. لهذا وضعت مصالح أمريكا أولا.. ترامب دلل على أنه لن يضع الاقتصاد العالمي بأسره وليس أمريكا فقط في خطر في حال ارتفاع أسعار النفط خمسين دولارا للبرميل حيث الكساد العالمي حينها لن يرحم أحد. تفاخر ترامب بأنه طلب قبل شهر من السعودية زيادة الإنتاج لضمان انخفاض أسعار النفط في أمريكا والعالم كله!

ولقاعدته الانتخابية مرة أخرى، ربط ترامب بين محمد بن سلمان ومستقبل علاقات الشراكة الاقتصادية والتسليحية والاستراتيجية بين البلدين. المسألة أبعد من المصالح “المالية”. بصريح العبارة قالها ترامب، من غير السعودية لن تبقى إسرائيل. ومن غيرها ستنتصر إيران. ولا غنى عما تقدمه السعودية، بقيادة الملك سلمان وولي عهده محمد، لمحاربة الإرهاب التي كانت السعودية تُتهم بأنها راعية له في الماضي.

Post Author: Editor